التخطي إلى المحتوى
حضرموت واليمن..اضطراب هوية أم توظيف سياسي

حضرموت واليمن..اضطراب هوية أم توظيف سياسي

كتب/ عدنان باوزير

يُتداول هذا الموضوع في حضرموت بكثرة في الأوساط الثقافية والنخب السياسية وحتى على نطاق شعبوي خلال الفترة الأخيرة، مع تدهور الشعور الوطني ونتيجة حالة الانغلاق والانسداد السياسي الحاصلة في عموم اليمن عامة، وفي حضرموت خاصة، نتيجة حالة الصراع والانقسام الحاد القائم خلال العشرية الأخيرة، ونتيجة الضخ الإعلامي والتوجيه السياسي والمشاريع الخارجية الوافدة والغير بريئة بالطبع، فظهرت كبديل عن المشروع الوطني الجامع، بعض المشاريع الصغيرة والمتصارعة، كحالة (الجنوب العربي) و(دولة حضرموت المستقلة) وغيرهما، وبدأ النبش في التاريخ بطريقة انتقائية لخدمة هذا أو ذلك التوجه، وبدأت تُطرح تساؤلات من قبيل، هل (حضرموت) جزء من اليمن؟ أو من ما يسمى ب (الجنوب العربي) أم هي كيان قائماً بذاته؟.

لا شك أن حضرموت قد مرت بتجربة مريرة خلال فترة (الجمهورية اليمنية) منذ 22 مايو 1990 وحتى الآن، كما مرت قبلها بتجربة أمر ضمن كيان (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) والتي أصبحت (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) لاحقاً، عانى الحضارم من أقصى حالات الإقصاء والتهميش والغبن على كافة الأصعدة، ولم يحظوا بما يستحقوه من حقوق وبما يتناسب مع جغرافيا وتاريخ وثقافة محافظهم ومواردها الرئيسية كأكبر رافد للدخل القومي، وأكبر محافظات اليمن حيث تشكل لوحدها أكبر من ربع اليمن.

ومن نافلة القول التذكير بخصوصية حضرموت الثقافية والجغرافية والتاريخية وحتى الأنثروبولوجية واعتزاز الحضارم بأنفسهم، نتيجة للتلاقح الحضاري مع مهاجر الحضارم في غير مكان، ونتيجة طبيعية لما يمكن نسميه بحالة المثقافة تلك، والى عناصر أخرى ليس هذا سياقها، هذا شيء لا يمكن اسقاطه، ومحاولة طمس أو تجاهل هذه الحقائق يسبب الكثير من الغبن والإحباط للشخصية الحضرمية ويثير حنقها، ولكن كل هذا لا يتضاد أو يصطدم مع محيطها –العادل كما يُفترض- على العكس من وجهة نظري، فلا يمكن ابراز جمال هذه الجوهرة الا من خلال انتظامها ضمن العقد اليمني الفريد.

لست هنا لتأكيد المؤكد، كما أن هذه مقالة صحفية وليست بحث تاريخي، وكل من يتجاهل هوية حضرموت اليمنية فأنه ينطلق من رؤية ضيقة أو تعبيراً عن حالة الإحباط التي ذكرناها وهو محق جزئياً، ولا يعلم من التاريخ سوى وقائع القرن الأخير أو حتى ما القرن الذي سبقه فقط، عهد (الدولتين) الحضرميتين تحت الانتداب البريطاني (الدولة القعيطية والدولة الكثيرية) وارهاصات تكونهما، وفي هذه الفترة صحيح كانت حضرموت منفصلة أو (مستقلة) الى حد ما، شأنها مع الفارق النسبي، شأن بقية امارات ومشيخات الجنوب العربي، أما بنظرة شاملة للتاريخ فقد كانت حضرموت (المملكة) ومنذ فجر الحضارة تتناوب بين حالات التحالف أو الصراع أو مع بقية ممالك جنوب الجزيرة العربية، بالضبط كحال أقرانها من تلك الممالك، بل وحتى أتحاد كامل كما حصل عند اكتمال اللقب الملكي الحميري (ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمانة وأعرابهم في الطود وتهامة)، وبالضبط استمرت تلك العلاقة المتأرجحة بينها –حضرموت- وقريناتها من الدويلات الإسلامية المستقلة في اليمن في العصر العباسي الثاني، حيث تتبع أحياناً كلها أو أجزاء منها عند تمدد أحدى تلك الدولة ثم تنفصل عنها، تماماً كبقية أجزاء اليمن الأخرى، تبعاً للقوة والضعف، وهكذا …

ويركز هؤلاء وبانتقاء التاريخ الذي يناسب مشاريعهم وحسب، هناك عشرات الدلائل على وحدة أو على الأقل توافق حضرموت ضمن محيطها واتساقها مع هويتها اليمنية ولكنهم يهملونها عمداً أو جهلا، لست هنا وكما أسلفت في وارد الإثبات أو النفي، ولكن الشيء بالشيء يُذكر، وأشعار أمرؤ القيس الكندي وغيره في اثبات يمنية حضرموت كثيرة ولا يمكن القفز عليها كشواهد تاريخية، كما أن نقوش المسند التي تملأ صخور وجبال اليمن سجل تاريخي حافل بهذا الخصوص، ويحضرني هنا حديث شريف صحيح واحد يقطع النقاش وينهي هذا الجدل، فعقب البعثة النبوية الشريفة كان الرسول – اللهم صل على محمد وآل محمد- يستغل موسم الحج لدعوة وفود الحجاج التي تصل مكة من كافة أنحاء الجزيرة الى الدين الجديد، فوقف مرة على مخيم ناس من كندة، وسألهم : أي العرب أنتم؟ قالوا : اليمن، قال: أي اليمن؟ قالوا : حضرموت، فقال: أي حضرموت؟ قالوا : كندة، فسألهم: أي كندة؟ فذكروا له فخذهم من كندة – وما عدت أتذكر أسمه الآن- وفي هذا شاهد آخر وكفى.

وقبل أن أنهي يحضرني قول بليغ للعلامة السيد عبد الله بن حسين بن طاهر (1191هـ – 1266 هـ – صاحب كتاب) الشامل في تاريخ حضرموت ) المطبوع في (سنغافورة) سنة (1940م) – كما أعتقد- حيث قال مجيباً على جدل مشابه : ؛؛ نحن الحضارم ، لو حتى لم تكن حضرموت من اليمن‘‘، لأدعينا أنها من اليمن، وكما قال بصيغة مشابهة!!

وهذا القول يعبر عن اعتزاز الحضارم بانتمائهم لليمن، حتى لَو لم يكن الأمر واقعًا تاريخيًا وجغرافيًا، لتمنّوا الانتساب إليه.

لكثرة مفاخر اليمنيين وفوزهم بشرف المديح النبوي في أكثر من موضع، هذا طبعاً زمااان، فما بالك اليوم وأسم اليمن يرن في آذان العالم كرنة الجنية الذهب بعد موقفهم المتميّز والمشرف والإنساني المتقدم جداً في نصرة أهلنا في (غزة) ، حتى أصبح كل إنسان في العالم يتمنى لو ينتمي لهذا الوطن المفخرة رغم كل مآسيه …

ولا تغرنكم (النغنغة) الوقتية لسكان الحظائر المجاورة، فكله زائل، لكن التاريخ سيسجل بل وسبق أن سجل خلاص أسم اليمنيين على أبهى أسفاره بأحرف من نور

 

نقلا عن موقع الأحقاف نيوز