التخطي إلى المحتوى
الدين في السياسة الخارجية

الدين في السياسة الخارجية

 

بقلم/ محمد الصالحي

 

تثار أحياناً تساؤلات حول مدى مشروعية استناد السياسة الخارجية إلى الدين، إذ يرى البعض أن الموقف اليمني تجاه الـقـضـيـة الـفـلـسـطـيـنـيـة، الذي ينطلق من منطلقات دينية، والذي تحدث عنه الـسـيـد الـقـائد يحفظه الله، يعكس إخفاقاً في السياسة الخارجية، نظراً لضرورة الفصل بين الدين كشعائر روحية وبين القرارات السياسية للدولة. غير أن التحليل الموضوعي للسياسات الدولية يكشف أن الأبعاد الدينية حاضرة بوضوح في استراتيجيات العديد من الدول الكبرى والإقليمية، بل إنها تشكل ركيزة لبعض القرارات الجوهرية.

 

فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تفصل رسمياً بين الدين والدولة وفقاً لدستورها، فإن البعد الديني لعب دوراً واضحاً في توجهاتها الخارجية، خاصة في بعض الإدارات. فعلى سبيل المثال، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن خطاباً يحمل دلالات دينية، حيث وصف حملته الـعـسـكـريـة ضد ما أسماه “الإرهـاب” بأنها “حـرب صليبية”، في تعبير يعكس تأثير الأيديولوجيا الدينية في رسم السياسات الخارجية الأمريكية، لا سيما في المنطقة العربية. أما في عهد الرئيس دونالد ترامب، فقد برزت تأثيرات الفكر الديني المحافظ في سياساته، حيث تبنى خطاباً يعكس توجهات التيار الإنجيلي المتطرف، وهو ما بدا واضحاً في دعمه غير المشروط لإسـرائـيـل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس عام 2018، في خطوة استندت إلى تبريرات دينية تدعمها بعض الجماعات المسيحية الـصـهـيـونـيـة. إضافة إلى ذلك، زعم ترامب في إحدى تصريحاته أنه “اختير من الله” لإنقاذ أمـريـكـا، في إشارة إلى نزعة دينية حاضرة في رؤيته السياسية.

 

وتستند إسـرائـيـل في سياساتها الخارجية إلى البعد الديني، حيث تستلهم كثيراً من شرعيتها من المفاهيم التوراتية، مثل “شعب الله المختار” و”أرض الميعاد”. هذه الرؤية لعبت دوراً محورياً في تبرير التوسع الاسـتـيـطـانـي، والذي تدعمه أحزاب دينية متطرفة ترى أن السيطرة على “يهودا والسامرة” جزء من واجب ديني. كما تعتمد الحكومات الإسـرائـيـلـيـة على دعم الجماعات الدينية في الولايات المتحدة، وخاصة الإنجيليين، الذين يرون قيام إسـرائـيـل عام 1948 خطوة لتحقيق نبوءات دينية.

 

وتستخدم السعودية البعد الديني في سياستها الخارجية، حيث تسوّق نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي السني، وتستند إلى هذه المكانة لتعزيز نفوذها في القضايا الإقليمية، كما يظهر في قيادتها للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهـاب عام 2015. كذلك، تلعب رابطة العالم الإسلامي، التي تمولها السعودية، دوراً دبلوماسياً يعكس هذا التوجه. أما إيـران، فتنطلق في سياستها الخارجية من رؤية الـثـورة الإسـلامـيـة التي أسسها الإمام الـخـمـيـنـي عام 1979، والتي تدمج البعد الديني بالسياسة. ويظهر هذا التوجه في دعمها لـجـمـاعـات تعتبرها “امتداداً لـلـمـقـاومـة الإسـلامـيـة”، مثل حـزب الله في لبنان، إضافة إلى تبني خطاب يدعو إلى تصدير الـثـورة إلى دول المنطقة.

 

وعلى الرغم من أن تركيا جمهورية علمانية دستورياً، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية، سعت إلى تقديم نفسها كحاملة لواء “الإسلام المعتدل”، ما انعكس في تبنيها سياسات خارجية تعزز نفوذها في العالم الإسلامي، كما يظهر في دعمها لـجـمـاعـات إسلامية في المنطقة، مثل الإخوان المسلمين.

 

يكشف تحليل السياسات الخارجية للدول الكبرى والإقليمية أن الدين ليس مجرد عنصر ثانوي، بل يشكل أحد الأبعاد المؤثرة في صنع القرار. وبينما تحاول بعض الدول تقديم سياساتها الخارجية على أنها تستند إلى المصالح القومية البحتة، فإن البعد الديني غالباً ما يكون حاضراً.

وبالتالي، فإن القول بأن السياسة الخارجية يجب أن تكون منفصلة تماماً عن الدين لا يتوافق مع واقع العلاقات الدولية، حيث يبقى الدين عنصراً فاعلاً في توازنات الـقـوة العالمية.