“اليمن” أجبر واشنطن على سحب بوارجها وخلطت أوراق الحرب على غزة وأصابت القيادة الإسرائيلية بالسقوط المدوي
• *أحمد موسى*
تحليل|لبنان| نهاية الحرب لا تلوح بالأفق، لكن حاملة الطائرات الأمريكية “فورد” والبوارج المرافقة لها ستعود إلى الولايات المتحدة مغادرة الشرق الأوسط خلال الأيام المقبلة ، فيما المُدمّرة الإيرانية “البرز” المزودة بصواريخ “كروز” بحرية بعيدة المدى تدخل البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب ، على الضفة المقابلة فإن الكيان الصهيوني وبعد اجتماع أمني مع حكومة الحرب قررت سحب ألوية الإحتياط على أن يتبعها لواءين آخرين من شمال قطاع غزة ، بعد أن سحبت سابقاً لواء جولاني. قرار إسرائيل شكل بداية “تحول تدريجي نحو عمليات أقل كثافة” في الشمال والجنوب ووسط غزة مع بروز”دعاوى قضائية دولية تلوح في سماء الكيان الصهيوني”.
وفقاً لمصادر أممية فإن “القلق بدأ يسود العديد من القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل”، لجهة محكمة العدل الدولية التي “قد تتهم الدولة بمكوناتها السياسية والعسكرية بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة”، سيما أنه تم تحديد “جلسة استماع في وزارة الخارجية الإسرائيلية نهار الإثنين المقبل “للنظر بالشكوى” التي تقدمت بها جنوب أفريقيا.
أبو سعيد
ورأى سفير الأمم المتحدة الممثل الأعلى لشؤون الخارجية ورئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة في جنيف هيثم أبو سعيد ، أن “اتهام جنوب إفريقيا إسرائيل” بارتكاب “أعمال إبادة” في غزة أمام محكمة العدل الدولية “ستفتح بابا واسعا من الإتهامات نتيجة بتّ البروتوكولات التي أخلّت فيها إسرائيل”. مشيراً إلى أن “إسرائيل تسعى إلى المزيد من الحصار” على الشعب الفلسطيني عن طريق السيطرة على “محور فيلادلفيا” الحدودي مع مصر.
ثلاثة عوامل دخلت على مستوى المنطقة والميدان الفلسطيني ، بدء من اليمن وصولاً إلى فلسطين المحتلة وما بينهما واشنطن ، ففي الوقت الذي يشتد الخناق على نتنياهو وفريقه الحربي والخلافات العميقة التي تضرب الحكومة الإسرائيلية والتشابك بين حقيقة العد في الخسائر البشرية وانهيار اقتصاد الكيان المتهاوي سريعاً ، فإن المنطقة أمام متغيرات جيوسياسية ورسم الخرائط في الاستراتيجيات فرضتها “اليمن” على طاولة التفاوض وفي الميدان في الإقليم ودولياً.
لقد وجهت اليمن – الحوثيين – ضربات موجعة في البحر الأحمر تردد صداها هبوطاً حاداً في الإقتصاد الإسرائيلي ، هذا أولاً ، الأمر الذي انسحب في الميدان الغزاوي الذي ألهب الفلسطينيون هزائم متتالية على المستوى العسكري البشري وفي العتاد ، فكان ما يسمى ب”الرقابة العسكرية” سيفاً مسلطا وغشاوة على بني صهيون وأهالي العسكريين والأسرى معا ، ثم أن ما آلم واشنطن والدائرة الضيقة في البيت الأبيض اللصيقة ببايدن “الهزائم المتتالية” التي دحضت فكرة الصهاينة وحديثهم المتكرر عن “نصر مزعوم” ما أربك القيادة الأمريكية السياسية والأمنية واثخن عميقاً في القيادة الصهيونية التي شكلت لهم “صراعات سياسية وضغوط في الشارع الإسرائيلي وخلافات حادة عميقة وانقسامات في مجلس الوزاري الحربي والأمني” ، فمنع نتنياهو قادة الحرب وشكك في الشاباك وصراخات جيشه وضباطه صرعت رأسه”.
استشاطت الإدارة الأميركية غضباً وبرز طوق الإتهامات يلف رقاب قادتها ، ولكي تحافظ على ماء وجهها كان الخروج من بحر اليمن كي لا يغطي أحمره وجوههم ويصيب السقطات الصهيونية وتلفح وجوه البيت الأبيض هزائمهم ، فكان قرار سحب بوارجهم والتخلي عن البحر الأحمر منعاً للسقوط في المستنقع الذي حفره اليمنيون لهم ولحلفاءهم عميقاً.
وما إن وضعت اليمن خياراتها الاستراتيجية والفلسطينيون إرادة الصمود الأسطوري والتصدي المبهر ، موقعة إسرائيل في شر عربدتها تخبطا وضياع واتساعا في هوة الخلاف والانقسامات ، وعليه ، يوجد حالياً حكومتان منفصلتان في إسرائيل – حكومة سموتريتش – بن غفير وحكومة غانتس – آيزنكوت ، وكل حكومة لديها ترتيبها الخاص من الأولويات والأهداف الخاصة ، ونتنياهو يناور بين الاثنين مثل زوجتين لزوج وأحد ، وتحاول كل حكومة أن تتصرف وكأنها في ورطة ، والحكومة الأخرى غير موجودة ، فأصيب نتنياهو بالذعر من “انقلابٍ داخلي عليه” ، وجيشه مُرهق وجنودُه يطلبون الإخلاء ، وقوات النُّخبة ضُربت في مقتل ، وبايدن طلب صيغة لوقف الحرب ، وإسرائيل ستقدم تنازلات لم تعهدها ، وال-م-ق-ا-و-م-ة تقاتل بضراوة غير مسبوقة ، وجرائم الاحتلال باتت عبئاً عليه وسيفاً مُسْلطاً لمحاكمة مسؤوليه.
لقد وضع الصهاينة إسرائيل على أبواب حربٍ داخلية ضارية ، ستبدأ بإقالة نتنياهو ومحاكمته ، ومحاسبة كبار القادة على هزيمة 7 أكتوبر ، والفشل في الحرب ، والأهداف التي لم تتحقق ، وتضليل الرأي العام ، والخسائر الاقتصادية ، وإفلاس الشركات ، وانفلات المستوطنين ، والتصعيد في الضفة والقدس والشمال ، وعدم الاستقرار ، وصراع الساسة على النفوذ ، وانحسار الدعم الدولي ، وتزايد الملاحقات القانونية الدولية ، والأكثر خطورة هو بداية “الهجرة العكسية” ، فقد غادر حتى الآن أكثر من مليون ونصف إسرائيلي بنية عدم العودة بسبب الحرب. فالحرب دخلت مرحلة الانكفاء ، والاحتلال يتجرَّعُ سُمَّ الهزيمة ، وغزة ستحتفي بنشوة انتصار رغم كل الآلام ، فلأول مرة منذ 75 عاماً ضربت إسرائيل على رأسها وكُسرت شوكتها ، ووضعت ال-م-ق-ا-و-م-ة حداً لعربدتها.
لقد قررت إسرائيل تقليص عدد قواتها في غزة ووفقاً لتقديرات أنها تهدف إلى منع تحويل تواجد قوات كبيرة من الجيش في داخل القطاع إلى “هدف سهل للهجمات الفلسطينية” ، تزامن ذلك مع مقترحات وطروحات دبلوماسيون خلال الأسابيع الأخيرة، وضمن إطار المناقشات حول قضية “اليوم التالي” في قطاع غزة، اسم سلام فياض باعتباره الشخص الذي يرغبون أن يتولى إدارة القطاع ، بعض الأطراف الدولية المشاركة في المحادثات أبدت اهتمامها بفياض ، لكنهم أكدوا في المحادثات أنه “في النهاية يجب أن يكون هناك قرار فلسطيني” ، مع إمكانية أن “تنضم ح-م-ا-س” إلى إدارة قطاع غزّة ك”شريك (…)” ، فالهدف الإسرائيلي المتمثل في التدمير الكامل ل-ح-م-ا-س ليس واقعياً لأنها ليست في غزة فقط، ولكن أيضاً في لبنان وقطر والضفة الغربية.
لطالما إسرائيل لعبت على وتر تعميق الخلافات وزج المراد في المتاهات الفارغة الساقطة ، إذ لا يزال مسؤولين إسرائيليين يحاولون (الأيام الأخيرة) إقناع مصر بالموافقة على دخول جيش العدو الإسرائيلي إلى منطقة محور “فيلادلفيا” ، لكن مصدرا مطلعا أكد أن “مصر ستجد صعوبة في قبول ذلك، رغم التوقعات الإسرائيلية بأن تبدي القاهرة مرونة في هذا الشأن” ، وبحسب المصادر، فإن إسرائيل تحاول استخدام الورقة الاقتصادية (الحديث عن 200مليار دولار) لإقناع المصريين في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد.
هي رسالة الاقتدار الجديدة التي ارادت من خلالها ال-م-ق-ا-و-م-ة واليمن إيصال مدى تمكنهما وتحكمهما في الميدان الفلسطيني وفي الإقليم ، فخروج الصواريخ من شمال القطاع وجنوبه وعبور الصواريخ اليمنية ومسيراتها إلى تل أبيب وايلات والتحكم في بحر الأحمر يدلل بلا شك أن “ال-م-ق-ا-و-م-ة لا زالت بكل الخير ، وتل أبيب الآن تتلقى الصفعات” ، مثبتة أن “المحور” ما زال يتمتع “بنظام قيادة وسيطرة فعال وقدرات إطلاق بعيدة المدى ، فالتحديات في القطاع والبحر ما زالت كما كانت”.
• *كاتب صحفي وناشر موقع “ميديا برس ليبانون”*