التخطي إلى المحتوى
الترشيشي: على الحكومة اللبنانية التحرك سريعاً لإنقاذ القطاع والحوار المباشر مع الحكومات العربية

القطاع الزراعي اللبناني بين مطرقة تراكم المشاكل وسندان غياب الحلول

الترشيشي: على الحكومة اللبنانية التحرك سريعاً لإنقاذ القطاع والحوار المباشر مع الحكومات العربية

• أحمد موسى

لبنان| يعتبر القطاع الزراعي من أبرز القطاعات الاقتصادية التي تساهم في الوصول إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام. بالإضافة الى ذلك يساهم في توفير الأمن الغذائي من خلال تلبية حاجات السكان، ويلعب دورًا في تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي تسعى إليه كل دول العالم. مع كل هذه الأهمية الاستراتيجية، لا تزال الزراعة في لبنان مهملة ومهمشة رغم حاجة الاقتصاد اللبناني الى هذا القطاع الحيوي لبناء اقتصاد متين وبنيوي على المدى البعيد.

تنتشر الزراعة بشكل عام في مختلف الأراضي اللبنانية بفعل التربة الخصبة المتوفرة والمناخ المعتدل ، وأبرز المحاصيل الزراعية اللبنانية هي (الفواكه والخضار – العنب – الزيتون – التبغ – القمح والشعير – الحبوب) ، فضلاً عن المزارع اللبنانية التي تحوي على عدد من رؤوس الماعز والخراف بالإضافة إلى النحل والدواجن ، حيث تشكل نسبة الأراضي الصالحة للزراعة حوالي 60% من إجمالي مساحة لبنان ، بينما النسبة المستغلة فعليًا للزراعة لا تتجاوز حاليًا 20% من إجمالي مساحة لبنان ، وتتموّن أسواق السلع الزراعية الأساسية عن طريق الاستيراد بنسبة تترواح بين 85 و90%.

جباعي

الخبير الاقتصادي اللبناني محمود جباعي يرى أن القطاع الزراعي يساهم بنسبة تقدر بحوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الثالث من حيث الأهمية بعد قطاعي الخدمات والصناعة ، ويؤمن دخلاً لحوالي 15% من السكان بما يقارب 250 ألف عائلة حيث يعمل فيه حاليًا 6% من مجمل القوى العاملة اللبنانية ، ويبلغ حجم الإنتاج الزراعي والحيواني حوالي 1.5 مليار دولار سنويًا ، فيما المعدل الوسطي للصادرات الزراعية السنوية يبلغ حوالي 700 مليون دولار ، ويلفت جباعي إلى أن قيمة الواردات الزراعية سنويًا تبلغ حوالي 3.5 مليار دولار كمعدل وسطي.

ويخلص الخبير الاقتصادي جباعي إلى أن المشاكل التقنية للزراعة في لبنان تنذر في عدم وجود “استراتيجية حديثة لادارة القطاع الزراعي” من قبل الدولة الأمر الذي أضعف إمكانية تحسين الإنتاج الزراعي ، مشيراً إلى أن تقلص حجم الأراضي الزراعية بفعل الزحف العمراني العشوائي وغياب التنظيم المدني من قبل الجهات المختصة ، وعدم استغلال الموارد المائية بسبب ضعف الإدارة الرشيدة في هذا المجال ، واتباع أساليب زراعية تقليدية تفتقر للتكنولوجيا الحديثة مما أدى الى تراجع الإنتاجية في القطاع الزراعي ، وارتفاع كلفة الإنتاج الزراعي مقارنة مع الدول المجاورة مما أضعف القدرة التنافسية للإنتاج المحلي الزراعي ، وضعف الإرشاد الزراعي بسبب قلة وجود مراكز الأبحاث الزراعية ، وضعف في التسويق بسبب غياب سياسات التشجيع على التصدير وإقفال بعض الأسواق العربية نتيجة الضغوطات السياسية لا سيما الأسواق السورية والخليجية السعودية تحديداً ، وارتفاع أعمار القوى العاملة اللبنانية في المجال الزراعي ، وضعف التمويل الزراعي وتفاقم مشاكل القطاع المصرفي بفعل الأزمة المالية الحالية ، وغياب التعاونيات الزراعية التي تساهم في مد المزارعين بالمستلزمات الزراعية والتي تساعد المزارع على تصريف محصوله الزراعي ، كلها عوامل وضعت القطاع الزراعي والمزارعين أمام مشاكل تقنية للزراعة في لبنان.

حلول ترقيعية

وبغياب الحلول المستدامة التي يجب على الدولة اتباعها والأخذ بملاحظات الاقتصاديين والقيمين والنقابيين ، يبقى القطاع الزراعي كغيره من القطاعات، التي متأثرة سلبًا نتيجة الأزمات التي تمر بها البلاد، وهذا من شأنه أن يجعل المزارعين يواجهون بعض العوائق لناحية التصدير والإنتاج ، والاعتماد على الحلول الترقيعية.

فرئيس تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع “ابراهيم الترشيشي” يؤكّد أنه “نتيجة الظروف الراهنة القطاع الزراعي يمرّ في ظروف غير طبيعية وأحوال غير آمنة” ، وهذا ما يجعل المخاوف تزداد لدى المزارع من المستقبل لناحية الموسم والإنتاج ، وبالتالي جميعها عوامل غير مطمئنة، لكن ، بالرغم من الظروف الراهنة ، المزارع مستمر في عمله ومهامه “لتأمين احتياجات المواطن اللبناني وهو سيبقى صامدًا في أرضه حرصاً منه على الأمن الغذائي في لبنان” ، وفق ما قاله الترشيشي.

نظرية ساقطة

إن النظرية التي اعتمدتها الدولة في تطبيق فكرة وزير اقتصادها وجرى تعميمها على مدى سنوات ، “أن القمح الذي يُزرع في لبنان غير صالح لصناعة الخبز”، رغم أن التجارب تثبت عكس ذلك ، وهذا ما أكدته التجارب وأبرزها التي قامت بها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني ، التي اختبرت في العام 2019 زراعة القمح الطري في قرابة 150 هكتاراً من استملاكاتها بعد إزالة التعديات عنها واستثمرتها في الزراعة ، وأنتجت في العام 2020، 135 طناً من القمح الذي يُستخدم في صناعة الخبز، بينما أنتجت أراضي المصلحة 85 طناً من النوع نفسه في 2021 ، ورغم ذلك، “لم تحظ” خطوة المصلحة بأي رعاية من وزارة الاقتصاد ، التي تفضل الاستيراد على دعم المبادرات الزراعية ، والتي هي أيضاً مع وزارة المالية تمتنع عن دفع المستحقات لمزارعي القمح ، حيث أدى غياب السياسات الغذائية إلى استخدام القمح من قبل المزارع كطعام للمواشي بدلاً من الأعلاف ، ذلك يثبت أن تجربة مصلحة الليطاني هو “التوسع في زراعة القمح واستغلال الأراضي الزراعية الشاسعة” ، من شأنه أن يسهم في تأمين جزء كبير من حاجة لبنان للحبوب على غرار التجربة السورية ، خصوصاً أن البقاع، في يوم من الأيام، كان يؤمن حاجة روما ، حيث كانت إهراءات البقاع تؤمّن القمح للأمبرطورية ، فضلاً على أن مؤسسة الأبحاث العلمية الزراعية “lari” توصلت سابقاً، إلى إنتاج 8000 طن من بذار قمح مؤصل قاسٍ وطري ، وتوصل مركز الأبحاث بالتعاون مع المزارعين إلى إنتاج 300 ألف طن من القمح بنوعيه القاسي والطري من أصناف عالية الجودة ، ما يثبت إمكانية إنتاج لبنان بحدود 500 ألف طن من القمح الطري والقاسي اليوم ، الأمر الذي يخفف من الأزمة نتيجة الحرب في أوكرانيا.

الترشيشي

وفيما تغيب الدولة من خلال غياب وزارة الاقتصاد المعني الأساس فإن فقدان النقابات لهذه الزراعة عن المطالبات لم تكن أقل ضرراً وسوء، وحده “تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع” لم يبرح التحركات والمطالبات في تحسين مستوى هذا القطاع ورئيس التجمع “ابراهيم الترشيشي” يتحرك على أكثر من صعيد لإثبات المزارعين وكل القطاع الزراعي لإبقائه “صامداً” رغم الرياح التي تعصف به خارجياً وداخليا ، وفي مقارنة تطرّق الترشيشي إلى أنه “بدون شك الزراعة مرت ب”مراحل منيحة وأخرى ليست جيدة” ، لكن “عام ٢٠٢٣ الزراعة واجهت مرحلة عاطلة ، يبدوا أن العام الجاري ٢٠٢٤ أثقال واوزار سلفه ثقيلة على ضهره إذا لم يعمل على المعالجات داخلياً وإقليميا ودوليا خاصة لجهة تأمين خطوط التصدير وفتح أسواق أخرى في المحيط والعالم” ، فإنتاج موسم زراعة القمح “تقاعست الدولة عن استلامه” ، فبدلاً من أن تذهب الدولة في دعم القمح المستورد لصالح المطاحن بأسعار زهيدة جداً لا يتعدى ال٢٢٠ دولار للطن الواحد ، تستورده الدولة ب٣٥٠ دولار ، الأمر الذي أصيب قطاع برمته بأزمة في تصريف إنتاجه وفي تدني أسعاره ما سبب الكثير من الكساد لدى بعض المزارعين الذين اضطروا للاعتماد على أنفسهم بما استطاعوا من تصريف لإنتاجهم ، فبقي أكثر من ٣٠ ألف طن بين القمح القاسي والطري ، مكدسين في عنابر البقاع والمستودعات فاوقعت الدولة المزارع في “حيرة” ، ما اضطره إلى بيعه “علف” للحيوانات ومزارع الحيونات والماشية والدواجن ، لبيعه 240 دولار للطن .

القمح والبطاطا

الترشيشي تطرق إلى زراعة البطاطا فرأى أن مواسم إنتاج البطاطا والبصل كانت “مقبولة” و”مربحة” أما الخضراوات بشكل عام جيدة ، مستثنيا زراعة الخس الذي وصف انتاجه ب”التعيس” بسبب إنعدام التصدير خاصة إلى الأسواق الخليجية مع “عدم حل المشاكل العالقة مع المملكة العربية السعودية” ، مؤكداً أن المملكة ليس غريباً عليها “احتضاننا ومعالجة وإزالة المشاكل والخلافات القائمة مع لبنان وعلى الحكومة اللبنانية المبادرة في تلك المشاكل” ، خاصة وأن لبنان لا يمكن لصادراته “الاستغناء عن الطريق البري إلى الأسواق الخليجية الذي حكماً المملكة هي المعبر الوحيد إلى الدول الخليجية ومنها إلى الأوروبية” ، وهذا ما طالبنا به خلال لقائنا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مؤخراً ، وليس هناك حلا لتصريف منتجاتنا إلا عبر إزالة العوامل المؤثرة والعوائق الشائكة مع المملكة وهذا ليس صعب ، والطريق البحرية ليست حلا ولا بديلاً لعوامل عديدة أبرزها “الوقت الذي يؤدي إلى تلف منتجاتنا الزراعية”.

“المزارع والمصدر يترنحان” قالها الترشيشي في أدق وصف لهذين القطاعين الذين يشكلان العامود الفقري للاقتصاد الوطني اللبناني ، الطريق البرية مقفلة أمام الصادرات اللبنانية والبحرية أقفلت حديثاً ومنذ أكثر من شهر إلى الآن لم نستطع تحميل حاوية ، فالتصدير البحري بينما كان يتدنى أسبوعياً بسبب غلاءالأسعار والوقت الأطول من حوالي ٥٠٠ الى ٣٠٠ حاوية ، أما اليوم ومنذ شهر لم نستطع تحميل ولا حاوية ، “بضاعتنا موجودة في المستودعات والبرادات” ، أبرزها اليوم هي البطاطا والحمضيات ، “لبنان عم يخسر على مرتين: مرة في تكديس البضاعة والثانية نخسر أسواقنا وزبائننا” الأمر الذي يؤدي إلى التحول إلى الاستعانة بمنتجات من بلدان أخرى غير لبنان ، والبحث في فتح الطريق البري وهذا يعني أن تتحدث الحكومة اللبنانية مع الحكومة في سوريا والعراق والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية ، لإعادة الوصل بين لبنان والخليج مثل هذه مكان حمل من زمان من ، فنحن نريد الحل الأسرع والأنجح وأخوانا في المملكة العربية السعودية لن تبخل علينا بهذا الموضوع لطالما وقفت المملكة مع لبنان في الأيام السوداء” ، فالمزارع ليس في اطمئنان والمواطن اللبناني كله بلبنان بشكل عام ليس مطمئن ولا مرتاح ووضعه ليس مستقراً ، فغياب الوزارات والوزراء المعنيين عن القطاع الزراعي والتصديري أمر يعكس مدى جدية الحكومة في استدامة ورفعة هذين القطاعين أو تدميرهما والاستغناء عنهما.

وشدّد الترشيشي على أن “زراعة التفاح هي زراعة قائمة وموجودة وموعودة في لبنان، ومن المبكر الحديث عن أي تحديات يمكن أن تواجه المزارع لأن هناك عدة عوامل تساعد في ذلك منها الطقس الحالي ، على أمل أن تكون بداية الموسم جيّدة” ، مُشيرا ، إلى أنه “من الممكن أن يواجه موسم التفاح بعض الصعاب نتيجة التقلبات المناخية ، لكن من حيث المبدأ كل الأمور تسير بطريقة سليمة لناحية الإنتاج والأسعار ، خاصة السنة الماضية فهي كانت جيدة” ، ويلفت إلى أن “موسم التفاح لم يحمل كثيرًا لذلك شهدت أسعار التفاح إرتفاعًا ، لكن هذا الأمر عوّض الخسارة في العام الماضي وخفف من معاناة المزارع ، أما بالنسبة للمستقبل نأمل خيرًا لكن من المبكر الحديث في هذا الأمر وحسمه”. وأمل الترشيشي في ختام حديثه عودة تصدير المنتجات الزراعية إلى السعودية ، مؤكدًا أنه “حتى الآن لم نصل إلى نتيجة سارّة في هذا الموضوع ، ونتمنى أن تكون العودة اليوم قبل الغد ونحث المسؤولين على الإستمرار في إتصالاتهم في هذا الشأن للعودة إلى ما كنا عليه في السابق”.

كل هذه الحلول يمكن أن تساهم في اعادة تفعيل القطاع الزراعي لأن لبنان اليوم بحاجة إلى تطوير إنتاجه المحلي من أجل وضع البلد على السكة الصحيحة في المجال الاقتصادي عبر خلق اقتصاد متين وقوي يوازي بين الاقتصاد الريعي والاقتصاد المنتج.

 

• كاتب صحفي وناشر موقع “ميديا برس ليبانون”