ماوراء تمديد الهدنة في اليمن ؟!
ضياء الشهابي
للمرة الثالثة ، اتفقت الأطراف المحلية والخارجية على تمديد الهدنة التي تمت برعاية الأمم المتحدة في اليمن لشهرين إضافيين ، وفي الوقت الذي أعلنت فيه
دول العدوان وحكومة مايعرف ب ” المجلس الرئاسي عن ترحيبها بإعلان المبعوث الأممي تمديد الهدنة وفق البنود السابقة حتى الثاني من أكتوبر من العام الجاري ، ربطت حكومة صنعاء ذلك التمديد بأهمية قيام الأمم المتحدة بالعمل على صرف المرتبات وفتح المطار والميناء وإنهاء الحصار كون القضايا الإنسانية هي حقوق طبيعية للشعب اليمني، ومعالجتها عاجلا ضرورة للدخول في مراحل أكثر جدية وثباتا ، وفق رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبد السلام .
وبالعودة إلى الخلف ، وتحديدا منذ الإعلان عن الهدنة الأولى التي تزامنت مع احتدام الصراع الأمريكي – الروسي بعد قيام الأخيرة باجتياح أوكرانيا ، وتداعيات تلك الحرب عقب استخدام روسيا لورقة الطاقة الرابحة للرد على العقوبات الغربية ماأدى إلى ازمة كبرى تمثلت في ارتفاع أسعار النفط والغاز وشح الوقود في أوروبا وأمريكا ، نستطيع القول هنا بأنه ، وبعيدا عن الشعارات الإنسانية التي يرفعها الغرب الذي صمت طوال 8 سنوات عن الإنتهاكات والجرائم التي ارتكبها التحالف في اليمن ، فإن الإعلان عن الهدنة وتمديدها جاء وبشكل رئيسي لتأمين منابع النفط والطاقة لدى السعودية والإمارات ” قطبا تحالف الحرب على اليمن ” مايضمن سد فجوة العجز التي تسبب بها انقطاع مصادر الطاقة الروسية .
إضافة إلى ذلك ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى وبقوة للحصول على النفط والغاز اليمني من مناطق حضرموت وشبوة على أساس تلك الهدنة وقد كثر الحديث مؤخرا عبر وسائل الإعلام عن اتفاقيات مزمعة مع شركات أجنبية لاستئناف تشغيل منشأة بلحاف الغازية مايؤكد ، وبما لايدع مجالا للشك ، بأن رفع الشعارات الإنسانية وتخفيف معاناة الشعب اليمني كأساس للهدنة ، ماهي إلا شماعة لتحقيق أجندة لاعلاقة لها بمصالح المواطنين وحل الأزمة الإنسانية في اليمن ، ومايرجح صحة هذا الرأي هو فشل أي اجراءات فعلية على أرض الواقع تخفف تلك المعاناة وتسهم بتحسين الظروف المعيشية لليمنيين .
إن حركة ” أنصار الله ” وهي تعلن تفاعلها الإيجابي مع أي خطوة تهدف لتحقيق السلام الشامل بما في ذلك قبولها بسلسلة الهدن الأممية التي تتجدد كل شهرين ، فإنها أيضا تعي بأن الطرف الآخر يقوم بتحركات مريبة تنبئ بالإستعداد لمعركة حاسمة في حال عدم التوصل إلى حل ، وبالنظر إلى صفقة صواريخ باتريوت الإعتراضية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية قبل يومين مع السعودية والإمارات والتحركات السياسية والإجتماعية والعسكرية للقيادي الموالي للإمارات طارق صالح في قلب تعز ، فإن ذلك يفسر يقظة أنصار الله لتلك التحركات عبر دفعها بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى تعز واستمرارها في التحشيد وتخريج دفعات عسكرية مؤهلة باحترافية عالية ، كما شهدناه مؤخرا في عدة عروض عسكرية بمحافظة ذمار ومناطق أخرى ، مايشير إلى أن أنصار الله ، ومع جنوحهم للسلام حال حسن نوايا الطرف الآخر ” ولا مؤشر حقيقي لذلك حتى اللحظة ” ، فإنهم يستعدون لأي سيناريو يحتمل عودة الحرب والأوضاع إلى مربعها الأول .
وهنا نرى بأنه يجب أيضا على حكومة صنعاء ممثلة بحركة ” أنصار الله وحلفائهم ” إلى جانب الإستعداد العسكري والأمني للسيناريوهات المحتملة ، أن يضغطوا بقوة خلال هذه الهدنة لحل المشكلات الإنسانية ودفع رواتب الموظفين ، وإلزام الطرف الآخر بإنفاذ وعوده للقيام بمعالجات إقتصادية فاعلة ، فالأزمة الإنسانية تتفاقم يوما بعد يوم ، والتحالف يسعى بقوة إلى استغلال السخط الشعبي بسبب تلك الظروف التي وصلت إلى منحنى خطر ، وهو مايفرض على الوفد الوطني المفاوض أن يحزم أموره للدفع بتخفيف ذلك العبء ، الأمر الذي سيساهم إلى حد كبير في تعزيز ورقة الصمود ومنع دول العدوان من الحصول على مرادهم حال فشل الهدنة الأممية والإحتكام مجددا إلى لغة القوة.