التخطي إلى المحتوى
الإسلام السياسي الإخواني في انحدار

الإسلام السياسي الإخواني
في انحدار
مطهر تقي
بحلول هذا العام يكون قد مر على إنشاء حركة الإخوان المسلمين اثنين وتسعين عاما على يد الشاب حسن البناء (ولد1905) الذي كان يعتبر الصحفي والمفكر رشيد محمد رضا صاحب مجلة المنار الذي كان أحد داعمي الحركة الوهابية إعلاميا ويعتمد ماليا على هبات عبد العزيز آل سعود قدوته وملهمه حين انشاء الحركة في مدينة الاسماعيلية في مصر عام 1928 ومن اختار اسم جماعاته بالإخوان بناءا على نصيحة استاذه رشيد محمد رضا تقليدا لاسم حركة الاخوان الوهابية
وقد انشاء البناء هذه الحركة ردا على الغاء مصطفى اتاترك الخلافة الإسلامية واعلن نهجا علمانيا في تركيا وكأن حسن البناء بذلك الإنشاء أراد ان يواصل مسيرة الخلافة الإسلامية السنية التي استمرت قرابة خمسمائة عام وبلغت من العمر عتيا في وهن أدائها ومهامها في عدد من الدول الإسلامية
وقد اشتد عود حركة الاخوان المسلمين بفضل همة مؤسسها ودعم الحكومة البريطانية للحركة ماليا ومعنويا(حسب ماذكرته الوثائق البريطانية وقيادات إخوانية)
وبعد مقتل حسن البناء عام 1947 استلم الراية من بعده الصحفي والشاعر سيد قطب(اعدم عام 1965) الذي اضاف من خلال كتابة الشهير معالم في الطريق.. بعدا جديدا لحركة الإخوان المسلمين اتسم بالتشدد وتكفير اي مسلم لايؤمن بفكر وأهداف الإخوان فالمجتمع الإسلامي في نظره كافرا بل أكثر من كفر الجاهلية وأصبح ذلك الكتاب وماتضمنه من أفكار مرجعا لحركة الاخوان وماتفرع منها من حركات متشدده كجماعة التكفير والهجرة….
ويمكن القول أن السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي كان العصر الذهبي للإخوان بفضل سياسة الرئيس المصري أنور السادات الذي استخدم الإخوان في مصر اداة للقضاء على معارضيه من الناصريين والماركسيين…. فقد تمكن الإخوان بعد ذلك من السيطره على الجامعات والنقابات والمساجد حتى قتلو السادات وأصبح لهم كيان اقتصادي قوي يمول حركتهم في العالم الإسلامي وحتى بين المسلمين في دول أوربا وأمريكا
وكان تبني مصر والسعودية بطلب أمريكي محاربة المد الشيوعي السوفيتي في أفغانستان فرصة كبيرة للاخوان حين قامو بالتمويل البشري والسعودية بالتمويل المالي لتلك الحرب… وعقب إنهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ورث الإخوان والوهابيون فكريا ومذهبيا دول جنوب الاتحاد السوفيتي الإسلامية فتوسع نفوذهما في مختلف دول العالم برعاية ودعم امريكي التي استطاعت أن تطوع حركة الاخوان لخدمة أهدافها مقابل فتح أوربا للنشاط السياسي والمالي الإخواني فكانت المانيا مركزا سياسيا للاخوان وسويسرا مقرا ماليا بقيادة المفكر الاقتصادي الإخواني المعروف محمد ندى وأصبحت امريكا بذلك هي المتحكمة بالحركات الإسلامية في العالم والمشرفة على تفريخ حركات إسلامية متشددة مثل القاعدة وداعش.. وكتاب وزيرة خارجية امريكا السابقة بيل كلنتون يؤكد ذلك
وقد ظنت قيادة حركة الاخوان العالمية مع مطلع الالفية الثانية أن الوقت قد حان لها بعد قرابة ثمانين عاما من الميلاد والفتوة والانتشار السياسي الواسع للسيطرة السياسية على عدد من دول العالم العربي وكانت شرارة بوزيد من تونس عاما 2011 هي البداية لحركة الإخوان نحو السيطرة على الحكم في كل من مصر وليبيا واليمن وتونس وسوريا التي شهدت مظاهرات إخوانية وشعبية أخرى تطالب بالتغيير ومحاربة الفساد… في تلك الدول وظهر ما يسمى بثورة الربيع العربي على امل ان تتوسع تلك المظاهرات إلى الأردن والسعودية ودول الخليج غير أن السعودية وقتها فتحت خزائنها لصرف المليارات لقطاع واسع من الشعب السعودي الفقير وتمكنت الأردن من المحافظة على أمنها وكانت أخطر تلك المظاهرات والاضطرابات في مصر واليمن وليبيا التي تمكن الإخوان من السيطرة على الحكم فيها بالإضافة إلي السودان التي سبق للبشير من اخونة الحكم فيها
ولعل حكم الإخوان في مصر هو الأخطر بحكم تواجد القيادة الإخوانية للعالم العربي فيها…وكان أمام حركة الاخوان فرصة ذهبية للاستمرار في الحكم وتغيير الخارطة السياسية الدينية في العالم العربي والإسلامي تغييرا جذريا طال انتظار الحركة له أكثر من ثمانين عاما من الصبر وبناء الكوادر التي تؤمن ايمانا قاطعا بحكم الجماعة وطاعة ولي الأمر لو أنهم اختاروا نموذجا سياسيا لهم منفتحا يتجاوز حلقة الجماعة والعشيرة وانتهجوا سياسة الانفتاح المذهبي والثقافي مع من يخالفهم مذهبيا وثقافية وأمنوا الأقليات وفي مقدمتها الطائفة المسيحية ولم يهرولو بتلك السرعة لاعلانهم تقديم جزء من سيناء المصرية للفلسطينيين بدلا من الأرض التي تحتلها إسرائيل للتقرب الفاضح نحو إسرائيل وأمريكا…. ويقدموا كذلك نموذجا تنمويا وسياسيا في اليمن وليبيا يكون افضل من سابقيه ويدخلون في شراكة حقيقة مع المكونات السياسية في الحكم وتحمل عبأ التغيير إلى الأفضل
وخلال عشر سنوات من الحكم ثم الإخفاق في كل من مصر التي وصل حال الإخوان فيها إلى الموت السريري وفي اليمن التي أصبح حزب الإصلاح لاعبا ثانويا يعاني من وطأة سندان السعودية ومطرقة الإمارات وتشتت قواه …. ثم ليبيا الذي أصبح فصيل الإخوان فيها بالرغم من الدعم التركي في انحسار لصالح خليفه حفتر…. الي السودان الذي شهد نهاية الحركة الإخوانية فيه عام 2019 وسجن البشير وإمكانية تسليمه الى محكمة الأمن الدولية وأخيرا تونس وحزب النهضة الإخواني الذي يترنح اليوم بفعل انتفاضة الشعب التونسي ضده واجراءات رئيس الجمهورية قيس سعيد ضد حزب النهضة ورموزه
وخلال العشر السنوات الأخيرة أيضا قامت السعودية والإمارات والبحرين و الأردن من اتخاذ جملة إجراءات مشددة ضد حركة الاخوان واعتبرتها جماعة إرهابية محظورة كما قامت اوروبا وفي المقدمة فرنسا بأجراءات مشددة على الجماعات الإسلامية المحسوبة على حركة الاخوان واعتبرتها حركة إرهابية وكأن هناك اجماعا عالميا على محاربة حركة الاخوان وحصرها في اضيق حدود
ولا أدري بعد تلك الإخفاقات السياسية والمذهبية لحركة الإخوان هل وصلت قياداتها في تلك الدول و اليمن بالطبع في مقدمتها من إعادة تقييم تجربتها واداءها وإعادة النظر في طبيعة علاقاتها الفكرية والدعوية مع الجماهير الاسلامية??
اتمنى ذلك خصوصا ونحن في اليمن من يرى أن من مصلحتنا الوطنية التنوع السياسي والفكري المعتدل والوسطي واستمرار حزب الإصلاح في التواجد السياسي بفكر ومنهج معتدل
والاعتقاد عندي أن اي حركة سياسية سواء إخوانية او وهابية او جعفرية او سلفية… تعتمد على الخطاب الديني المتشدد وتعتمد في أسلوب تعاملها على العنف والقسوة مع من يخالفها في النهج المذهبي والفكري بعيدا عن الوسطية للوصول إلى الحكم وتدعي أيضا احقيتها بأحتكار الدين ووراثة الحكم من منظورا مذهبي ضيق وتختار من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ماتشاء وتفسرها بما يتوافق مع أهدافها وتهمل الآيات والأحاديث التي تدحض وتعري خطأ دعوتها واستغلالها للدين بهدف الوصول إلى الحكم لا يمكن أن يكتب لها النجاح مهما طال عمرها. واقرأو التاريخ وابحثو عن نموذج ديني واحد نجح وكتب له العمر اعتمد على التشدد والقوة والعنف مع من يخالفه…. وانصح ألا تتعبوا في البحث فلن تجدو. وما على أولئك السياسيين إلا أن يعيدوا قراءتهم لتجربتهم ويستخلصوا العبرة من التاريخ و اخباره
والله أسأل أن يهدي الجميع نحو الصواب
2021/7/28
الموافق 18 ذي الحجه 1442