التخطي إلى المحتوى
المجال الروسي في الصراع  ما بعد خطاب بوتين.

المجال الروسي في الصراع  ما بعد خطاب بوتين.

عبدالجبار الحاج

 

في العام 2014 كانت الخطوة الاولى في مسار روسي مختلف بالسيطرة على شبه جزيرة القرم في ظرف ساعات من يوم واحد بعملية انتهت دون ان تطلق رصاصة واحدة.

وفي العام 2015 اعلنت جموريتي دونيتسك ولو غانسك استقلالهما على اقليم دونباس ومن يومها ارتكبت سلطات كييف حربا ظالمة لم يكن امام روسيا خلال ثمان سنوات الا تختار الدفاع عن مواطنيها الروس في الاقليم
.
ثم كان اعلان السلطة في كييف عن مشروع نووي يستفز روسيا ويهددها من منطقة هي عبر التاريخ من روسيا وحزء من تاريخها وجغرافيتها وامتدادها . وفي ظل تحولات في الاستراتيجية الروسية الجديدة التي تنظر الى مجالها الحيوي كحق وجب ان يستعاد الان ..

لنقف امام خطاب بوتين وننظر في خارطة روسيا التي كانت عبر تاريخها القيصري وحقبتها السوفيتية لنعرف الى اين يمضي بوتين بروسيا الان ..

……

……

كشف الرئيس بوتين في خطاب الإثنين الماصي واضحا في تحديد الاستراتيجية الروسية  واكثر وضوحا في تحديد نطاق ومجال روسيا الحيوي  الذي لايمكن  تركه ساحة لانطلاق الغرب المعادي  وكشف وجهة روسيا ونطاق امتدادها  التاريخي مستندا على مصفوفة الحقائق التي تكونت على الحقب التاريخية لروسبا القيصرية ثم  حقبة الاتحاد السوفيتي وعلى هذا النحو حدد مفهوم وحدود  وجغرافيا روسيا في ظل قيادته .

على نحو يخالف به بوتين  مبادئ لينين في قضيتي  السلم والحرب. وحق الشعوب في  تقرير مصيرها فيما خص انضمام اوكرانيا انذاك الى الاتحاد السوفييتي وفق مبادئ  ونهج لينين في بناء الدولة السوفييتية بما هي نماذج  لنظريات لينين التي ارادها ان تكون صيغة مثلى للبناء عليها في موضوعة حق الشعوب في النضال والتحرر من الاستعمار وحق تقرير المصير  وفق خيار  كل شعب على حدة.

هنا على هذا النحو الذي يراه بوتين  نهجا  مناقضا لبراجماتيته في مجال روسيا اذ كان توصيف بوتين لمبادئ حق تقرير المصير باعتبارها حسب قرأته لتاريخ روسيا بما يراه انه كان سببا لتفكك الاتحاد السوفييتي 92. بينما في الواقع وفي حقيقة الامر  يعود السبب في تفكك السوفييتي الى جملة من الاسباب منها نشوء وبروز جيوب انفصالية من جهة وانحراف واضح في مسار القيادة في ظل غورباتشوف واطلاق لحبال  الترابط تجرى في اعتها وفق مشيئات  واهواء متعارضة وكلها  تظافرت
لتؤدي الى الانهيار .
على ان موضوع تقييم التجربة السوفييتية في بناء الدولة  خلال سبعة عقود وانهيارها بتلك السرعة عام 92 موضوع قائم لوحده. لكنا اردنا هنا ان نقف على ما يريد بوتين ان يعلنه  من خلال هذا الخطاب التاريخي والذي يفصح فيه رؤيته هو لبناء دولته الروسية استنادا الى ما يراه في المستقبل بصرف النظر عن  اتساقها بوقائع التاريخ المعاصر في العهد السوفييتي التي يراها بوتين من سلبيات الدولةالسوقييتية خلافا لمنظوره هو المعبر عنه في خطابه ب(البراحماتي).

وفي سياق خطابه لا ينسى بوتين ان يعدد  انجازات لينين العظيمة فيما خص بناء الدولة السوفييتية  او فيما خص الحالة الاوكرانية بقوله 🙁 فلادمير لينين هو المؤسس الاول  والصانع الاول لاوكرانيا) عقب استعادتها كاملة عقب ان حطت  الحرب العالمية الاولى اوزارها  بهزيمة المانيا واتفاقية فرساي و ما بعد الحرب والتي على اثرها وعلى اساسها اعلنت روسيا الغاء اتفاقية بريست المذلة والمهينة بحسب تعبير لينين نفسه.

وفي اشارة بوتين عن ادوار ستالين في ضم اراضي من المانيا وغيرها  الى أوكرانيا  وفي ضم اقليم دونباس  وفي دور خورتشوف  في ضم جزيرة القرم الى اوكرانيا.

ومن هذا الكلام نفهم ما يذهب اليه بوتين خياره المحسوم لموقع اوكرانيا من روسيا بانها في ختام القول لن تبقى ساحة ضد روسيا .

ومن ذلك الخطاب التاريخي لبوتين الذي القاه على مدى ساعة كاملة مساء
الاثنين  21 / فبراير   202‪2وعند متابعتنا لخطاب بوتين التاريخي  الذي اختتمه باعلان الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك كان قد استهل  خطابه  بسرد  موجز لوقائق وحقائق التاريخ  منها وفيها وقائع  وحقائق الجغرافيا  التي تشكلت عليها واتسعت في التاريخ المعاصر ابتداء من دور لينين في تأسيس أوكرانيا واستمرار توسعها الجغرافي  على النحو الذي تناوله بوتين.
فمن دور لينين في تاسيسها ووفقا لمبادئ لينين الشهيرة في حق الشعوب في  تقرير المصير  بما في ذلك الشعوب الواقعة والخاضعة لروسيا القيصرية حينذاك  _ ومن ثم تاسيس  الاتحاد السوفيتي عقب قيام ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى _ ثم  قيامها اي أوكرانيا كجمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي الاتحادية
ودور ستالين في توسيع الجمهورية الاوكرانية باضافة اراض لها من بولندا و ابان الحرب العالمية الثانية
وقيام خورتشوف في الخمسينات باخذ جزيرة القرم واضافتها الى اليها .. الى هنا لم يغفل بوتين تاريخ تشكل أوكرانيا خضم نشؤء القيصرية الروسية ابتداء الزمن السابق قبل وخلال  القرن السادس عشر  من كييف ومن هذه المدينة تأسست روسيا الصغرى وصارت تعرف لاحقا بأوكرانيا.

بهذه السردية التاريخية اراد بوتين ان يقول ما كان لاوكرانيا ان تكون بدون ثورة اكتوبر الاشتراكية وبدون مبادئ لينيين في حق تقرير المصير وماكان لها ان تصير و تكون بهذا الاتساع بدون الاتحاد السوفيتي .

__

تطرق الخطاب الى غرور القوة  ومشاعر التفوق التي يكرسها مفهوم الغرب للحضارة في حروبه المتعددة الاشكال وفي الحالة الاوكرانية ابرز  بوتين مظاهر حرب  تستهدف اللغة بماهي روسية  وتستهدف الكنيسة بماهي ارثوذكسية.
ليست مجرد محاولة قلب التكوين الثقافي والحضاري لبلد اوكرانيا ولكن بما هو نهج  استئصالي  لا يقبل بحقائق التنوع الثقافي والحضاري وحتى الديني والمذهبي قائم على اساس من استئصال المغاير والمباين  تماما كما هو امتداد ابشع  للراسماليات واطوار  ابشع لنهج الحروب  الصليبية من الغرب  يقابلها  نموذج البشاعة الوهابية في تحريف الاسلام وتفريغه من قيم التسامح و  في  تكفير كل مخالف كما هو ولا مع جوهر في الصراع..

اشار بوتين الى :
( قيام ثورة اكتوبر  الاشتراكية
دور الحزب الشيوعي ودور لينين وستالين من موقع قيادة الدولة وقيام الاتحاد السوفيتي ومن قراءة تعتمد الحقائق لدور الشيوعي لم يتوانى عن الاشارة والوقوف امام نقاط القوة الضعف في صيرورة الثورة والحزب وما رافق التجربة من نقاط قوة وضعف وتوقفه امام اتفاقية برست مع المانيا عام 191‪8/ //
والحرب الاهلية عقب ثورة اكتوبر 191‪7)
هنا يمكننا ان نتوقف امام اتفاقية)

وفي خطاب بوتين في اتفاقية بريست مع المانيا لخص نظرته بالسلبية. مرجعا مسوليتها وملقيا نتائجها على لينين وهنا لابد لنا من استحضار زمن الاتفاقية محاطة بحرب عالمية رفضها لينين قبيل اندلاعها ظروف الثورة متداخلة باشتعال اوار الحرب الاهلية   وباحداث متسارعة وتناقضات ما كان الثورة للثورة ام تشق طريق النصر  لولا عبقرية لينين وتمخضت نظريته في التحليل الملموس للواقع الملموس جملة الذي كانت احداثها من السرعة بحيث ان ظروف وطنية وعالمية تشكل وقائع يوم من تلك الفترة   يجب ان تنقلب رأسا على عقب وتطويعها لصالح الثورة وتلك عبقرية لينين كما تتجلى في و قائع الصحفي الشهير كما تابعها لخظة بلحظة وعاشها  بتفاصيلها  ودونها ( جون ريد في كتاب : عشرة ايام هزت العالم. صار ذلك الكتاب وثيقة هامة من وثائق الثورة المعتمدة بقرار هيئات الحزب والدولة انذاك وبقي من اهم مراجع ووثائق الثورة.

لنعد الان الى اتفاقية بريست التي لم يكن امام لينين الا القبول بها مؤقتا  ولم يكن امام لينين الا ان يدعو لها ثم لم يتردد لينين بوصفها بالمذلة والمهينة مقابل تأمين الثورة الوليد بوقف جبهة الحرب مع المانيا وكانت  روسيا وحدها تتحمل اعباء وتكاليف حرب  هي في نهاية المطاف حرب الراسماليات المتقاسمة وقودها وتكاليفها ثروات  الشعوب وخيرات الاوطان وفي الاتفاقية مرارة  والم  ولكن الى حين بحسب لينين

خلاصة القول ان بوتين لن يسمح في ظل قيادته لروسيا ان تبقى اوكرنيا  ميدانا للخطر الوجودي على روسيا  .
وهكذا فانه عندما تقف روسيا وتتخذ قرارها بقوة بانها لن تتركها مجالها الحيوي ميدانا لخطر وجودي يتهدد روسيا واوكرانيا احد مجالاتها الهامة فان الغرب عند وامام هذا القرار الروسي  الحاسم لن يبقى امامه سوى ان يسلم بهذه الحقيقة وبالتالي فان الغرب ومنه امريكا  لن يتحاوز هذه الحقيقة التي يبدو انه مسلما بها   وبالتالي فلن يتجاوز في خياراته حدود الضغط الاقتصادي  باسقف متفاوته الحدة  مابين دولة واخرى ناهيك عن ان دول الجنوب الاوربي مثل اليونان وايطاليا واسبانيا  وغيرها ذات توجهات تؤثر  خيار اللامقاطة مع روسيا.

ثم  ماذا عن القرار الاوربي من داخل اجتماعات دول حلف الناتو وخاصة ان القرار فيها ملزم بالاجماع . والاجماع في صورة التبايانات الموجودة داخل الناتو لا تسمح باتخاذ قرار بالاجماع.

ربما يحتاح الامر الى اسابيع واشهر في اروقة الناتو لاتخاذ خطوات ما في مواجهة روسيا اقتصاديا  اما القرار العسكري فوضع دول الناتو لا يسمح باتخاذ قرار من هذا الناتو في المدى المنظور .
وفي مقابل هذا فان  اعتماد روسيا خطوات الحسم السريع يفوت على الدول الاكثر عدائية لروسيا في اطار الناتو   التي ستحتاج لاشهر  من النقاش  لتأمين قرار موحد في هكذا اتجاه وفي حين تكون روسيا قد حسمت الامر وفرضت الامر الواقع في عموم اوكرانيا  فان الوقت والحماس يكون قد فتر وتراجع قوة موجاتها  قد تراجعت حدا من الهدوء.

في اوكرانيا يبدو الوضع ليس في صالح السلطة القائمة التي ارتكبت اخطاء سياسية جسيمة والحقت بقوتها النسبية اذى واضرارا  لا تسمح لها  بفعل مقاوم في ظل مزاح شعبي اوكراني يؤثر السلام مع الروس ومزاج شعبي اخر الى جانبه  يرفض نهج  عزل اوكرانيا عن محيطها وتاريخها وحغرافيتها وتكوينها الى موقع العداء لروسيا وهذه نقطة قوة لصالح روسيا تسَمح لروسيا بالحسم  دون ثمن يترك اثرا سلبيا في المستقبل على هذه الصلة الشعبية بين اواكرانيا وروسيا وهي كذلك نقطة ضعف سلطة ونظام كييف الحالية التي  لا شك قد خسرت  المعركة سلفا وليس ادل على هذه الخسارة استجداءها اي سلطة كييف  لتركيا ان تقوم باغلاق بمضاييق الفوسفور والدردنيل في وجه روسيا وهو ما لاناقة لتركيا فيه ولا جمل في ضوء الموازين الراهنة في القوى والمصالح الحيوية .

واي كانت الاخبار  ووجهة  الانباء المتضاربة   اكانت في الدونباس على مساحة  500‪00 كم٢ او في مناطق الانفصال من هذا الاقليم على مساحة   180‪00  كم٢   فان الاخبار على أي وجه اتت  خلال الساعات القادمة لن تغير من وجهة بوتين في الحسم
على ان وجهة الحسم في اوكرانيا لن تكون من خلال ظهور وبروز حكومة اوكرانية تحل محل السلطة الحالية التي لا شك ان سقوطها. مسألة وقت  .

24/2/2022